بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
بسم الله الرحمن الرحيم
أخ كريم سألني عن موضوع أُمِّيَة النبي عليه الصلاة والسلام، فقد قرأ مقالاً في مجلة تصدر في القاهرة، مضمون هذه المقالة أنَّ النبي على خِلاف ما نعْتَقِدُ سابِقًا يقرأ ويكتب، ومع أنَّ الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)﴾
[ سورة العنكبوت ]
هذه الآية أصْلٌ في نفْي القراءة، والكتابة عن النبي صلى الله عليه وسلّم الأُمِيَّة في حق النبي عليه الصلاة والسلام كمال، وفي حقِّنا نقْص، فلو أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ ويكتب، ومن لوازِم القراءة والكتابة أنَه اطَّلَعَ على ثقافات العصر، واطَّلَع على الثقافة الإغريقيَّة، واليونانيَّة والهنديَّة والفارسيَّة، ثمّ جاءهُ الوحي، فتكلَّم ! هناك سُؤال يُطْرَحُ في كلّ دقيقة، يا رسول الله صلى الله عليك وسلم أهذا الذي تقوله لنا أمِنْ ثقافتِكَ الأرضيَّة أم مِن وَحي السماء ؟! أراد الله عز وجل أن تكون دَعوة النبي عليه الصلاة والسلام نقِيَّة من كلّ اخْتِلاط أرضي، ولذلك قال الله عز وجل:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى(5)ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى(6)وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى(7)ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى(فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى(9)﴾
[ سورة الشورى ]
تلا علينا القرآن، وهو وحي يوحى، وقال أحاديث كثيرة جدًّا في شرح القرآن، وأحاديثُهُ وَحيٌ يوحى، وعلماء الأصول يقولون: هناك وَحْيٌ مَتْلوّ هو القرآن الكريم، ووَحْيٌ غير مَتْلو هي السنَّة النبوِيَّة.
إنسان يقرأ ويكتب، وله أعلى شَهادة ؛ فَمَن علَّمَهُ ؟ علَّمهُ إنسان، علَّمه مجموعة أساتذة، عشرات الأساتذة، وكلّ هذا العلم مأخوذ من بشر، فكيف إذا علَّم النبي صلى الله عليه وسلَّم خالق البشر، قال تعالى:
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى(5)ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى(6)وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى(7)ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى(فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى(9)﴾
[ سورة الشورى ]
كما كنتُ أقول سابقًا بين كلام الله، وبين كلام خلقه، كما بين الله وخلقه ! لذلك ورد أنَّ فضل كلام الله على فضل كلام خلقه، كَفَضْل الله على خلقه و فضْلُ الذي يُعَلِّمهُ خالق البشر على فضْل الذي يُعلِّمُهُ بشر، كَفَضْل الله على البشر، قال الشاعر:
يا أيها الأميّ حسْبك رتبةً في العِلم أن دانت لك العلماء
والدليل ؛ إنسان يأخذ بضْعة أحاديث يُفسِّرها، ويُحلِّلها، ويُبيِّن أحكامها الفقْهِيَّة فَيُمْنَح درجة الدكتوراه ! فالذي قال هذه الاحاديث: ما مرتبتُه ؟ إذا قرأتَ كلامه وفَهِمتهُ يُقال لك دكتور ! صاحب النصوص من هو ؟ رسول الله عليه الصلاة والسلام: يجب أن تعلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كلَّما تقدَّم العِلم يكشف جانبًا من نبوَّته صلى الله عليه وسلم، إلا أنَّ أعداء الدِّين يئِسوا أن يُجابهوا هذا الدِّين، لأنّه دين الله فسَلَكوا طريقًا مُلْتَوِيةً، ودخلوا إليه لِيُفَجِّروه من داخله، ومن أحد مكائِد أعداء الدِّين أن يوصف النبي بأنَّه عبْقريّ، وبأنَّه ذكيّ، ويقرأ ويكتب، ودرس ثقافة عصْره، وألَّف هذا القرآن من عنده !! وأنَّ هذا القرآن مرتبط بِمَرحلتِهِ، فإذا تطوَّرت الحياة لم يَعُد صالحًا لهذا الزمان، فهذه الفِرْيَة الخطيرة التي تتبنَّى هذه الدعوى مردودة، حينما يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)﴾
[ سورة العنكبوت ]
دليل الذين يعتقدون أن النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ ويكتب، قوله تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)﴾
[ سورة العلق ]
فأنت تقرأ من ذاكرتك أو تقرأ من كتاب ! لأنَّ الإنسان يتعلَّم بِطَريقين؛ إما أن يسْمع فيَحفظ، وإما أن يقرأ فيَحفظ، فقَنَوات التَّعلّم هي المُشافهة أو المدارسة، النبي عليه الصلاة والسلام علَّمَهُ ربُّه جلَّ جلاله عن طريق الوحي، وعن طريق جبريل، فقناة التَّعلّم قناة موصولة بالله عز وجل فإذا قيل له اقْرأ فليس المعنى أن يقرأ من كتاب، ولكن أن يقرأ مِمَّا تعلَّم فالقراءة نوعان ؛ تقرأ على الناس عِلْمًا مِمَّا تعلَّمْتَهُ بِقَناةٍ مُعيَّنَة، أو تقرأ عليهم علمًا تعلَّمْتَهُ من كتاب، والنبي عليه الصلاة والسلام قناة التَّعلّم عنده عن طريق الكتاب والقراءة لا يمْلِكُها، أما القناة عن طريق خالق الكون فهُوَ بطلها، إذًا هو أعلم علماء الأرض لأنّ خالق الكون هو الذي علَّمَه، قال تعالى:
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى(5)ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى(6)وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى(7)ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى(فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى(9)﴾
[ سورة الشورى ]
فإيَّاكم أن تتوهَّموا أنّ هناك علاقة بين الأُمِيَّة والجهل لأنّ كاتب المقالة يقول: أَيُعْقَلُ أن يكون النبي غير مُتَعَلِّم ؟! نحن نقول له: هو سيِّد علماء الأرض، ولكنّ القناة التي تعلّم منها هي قناة الوَحي لا قناة المُدارسَة ونحن لا نمْلِكُ الوحي، وسبيلنا الوحيد فتْح كتاب وقراءته وفهمه، وننال به الشهادة، فَكُلُّنا لأنَّنا لا يوحى إلينا فقناة التعليم الوحيدة لدينا هي المدارسة فالأُمِيَّة في حقِّنا نقْص، ووصْمة عار، أما النبي عليه الصلاة والسلام قناة التعلّم عنده قناة الوحي.
أحيانًا يقول لك طالب: أنا أستاذي الدكتور الفلاني، والبروفسور الفلاني يتكلَّم بها ويتيه على مَن حوله ! وأحيانًا يكون رجل عالم كبير أعطى إجازة لِطَالب عِلْمٍ، يضعها في لوحة ثمينة، ويضعها في غرفة الضُّيوف، فالإنسان يفْتَخر بِمُعلِّمِه، إذا أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يفْتَخر فَمَن الذي علَّمَه ؟ الله جلَّ جلاله وفضْل عِلم رسول الله على عِلْم بقيَّة الخلق كفضل الله على خلقِهِ، ومن هنا قال سيِّدنا سَعد: ثلاثة أنا فيهنّ رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحِدٌ من الناس: من هذه الثلاثة ؛ ما سَمِعتُ حديثًا من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إلا علِمْتُ أنَّه حقٌّ من الله تعالى ! فالأطباء مثلاً من خمسين سنة وهم يعتقدون أنّه ليس من المناسب شُرب الماء مع الطعام ! لسبب أنّ الماء يُمَدّد العصارة الهاضمة!!! ومن سنتين فقط دلّ البحث خِلاف ذلك، وأنّه يحث خلايا العصارة على الإفراز، وكان أحد الأطباء الملتزمين، وكان قد قرأ حديث رسول الله: عَنْ مِقْدَامِ ابْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ))
[ رواه الترمذي ]
فهذا الحديث يتناقض مع ما اكتشفه الأطباء، فالقضِيَّة ليسَت قضِيَّة ذكاء، ولا قضيَّة تجارب، وإنما قضِيَّة وحي، والموحي هو الله تعالى.
النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نذبح الدابة من أوداجها فقط دون أن نقطع رأسها، فلا عصره ولا بعد عصره بألف سنة فسَّر هذا الفِعل ! ولكنّ هذا من وحي الله للنبي عليه الصلاة والسلام، والآن ثبت أنّ الداية حينما تُذْبح، مُهِمَّة القلب بعد الذَّبح إخراج دم الدابة منه لأنَّ الدم هو البؤرة الرائعة لِنُموّ الجراثيم، وكلّ أخطار اللُّحوم تكمنُ في الدَّم، إذًا لا بدّ من خروج كلّ الدم من الدابة، القلب يتلقَّى أمرًا ذاتيًا من مراكز كهربائيَّة ذاتيَة لإخراج الدم رويدًا رويْدًا حين قطع الرأس، ويخرج من ربعه، أما حينما تُبقي الرأس مربوطًا يأتي أمر استثنائي من الرأس يرفع ضربات القلب لِمِئة وثمانين فيخرج كل الدمّ ! وهذه المسألة كُشِفَت الآن فقط، فكلام النبي عليه الصلاة والسلام وحي يوحى، وما ينطق عن الهوى، أعود وأقول إنّ فضل عِلم رسول الله على عِلْم بقيَّة الخلق كفضل الله على خلقِهِ، فالعلم دائِمًا في قبول وردّ، فَهذا القمر كانوا يقولون عنه أنّه من الأرض، فلما صعدوا إلى القمر وجدوا تربة القمر غير تربة الأرض !، فالعلم التجريبي كل يوم تظهر أخطاؤُه، أما علم السماء هو من الله تعالى، فضل عِلم رسول الله على عِلْم بقيَّة الخلق كفضل الله على خلقِهِ، فالأُميَّة في حق النبي صلى الله عليه وسلم كمال، لأن وعاءه مملوء من السماء، وكل شيء قاله هو حق من الله تعالى، وقد سئل مرَّة أنَّك بشر وتغضب كما يغضب البشر أفنكتب عنك في الغضب، فقال عليه الصلاة والسلام، والذي بعثني بالحق لا ينطق هذا اللِّسان إلا بالحق.
فالفِرية الآن أن نقول: إنَّه يقرأ ويكتب، أيُعْقل أن يكون نبيّ هذا الدِّين جاهلاً ؟ من قال لك أنَّ الأميَّة هي الجهل ؟! وهناك آلاف الأدلَّة على نبوَّة النبي عليه الصلاة والسلام، اِذْهب للرُّبع الخالي ؛ رملٌ يغطِّي حضارة يقول عليه الصلاة والسلام: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا ))
[ رواه مسلم ]
علماء الأرض تكلَّموا بهذا، أما النبي عليه الصلاة والسلام: من الذي أنبأهُ بهذا ؟ لذا يجب أن نعلم أنّ الذي قاله عليه الصلاة والسلام ليس من ثقافته ولا علمه ولا من معلومات، ولا من خبرة، إن هو إلا وحي يوحى.
والحمد لله رب العالمين